فصل: فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة **


 الفصل الأول‏:‏ الذكر الصوفي

 كيفية تتلقى الأذكار عند الصوفية

يخطئ من يظن أن الصوفية أتباع للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هديه في الذكر حيث شرع لنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نذكر الله سبحانه وتعالى بأذكار مخصوصة في أوقات معلومة، والنبي عندما أخبرنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن من قال كذا وكذا فله كذا وكذا من الأجر إنما يتكلم بالوحي لأن الأجر أمر غيبي يقدره الله ويعلمه، ولكن مشايخ الصوفية أراد كل منهم أن ينصب من نفسه مشرعًا لمجموعة من المريدين، وإلهًا يعبده الأتباع الجاهلون، وكان باب الأذكار هو الباب الذي دخل منه هؤلاء للتشريع للأتباع والمريدين فوضع كل منهم لأتباع طريقته منهجًا خاصًا بالذكر، وأذكارًا مخصوصة وكان لكل واحد منهم أن يضفي على ذكره الخاص هالة من التقديس، وأن يحاول جذب المريدين إليه بشتى الطرق والوسائل فمنهم من زعم أن ذكره الخاص قد أخذه من الرسول منامًا، ومنهم من ادعى أنه أخذه من الرسول يقظة، ومنهم من زعم أن الخضر الذي أوحى له بالذكر، ومنهم من تنازل فنسب ذكره إلى شيخ طريقة ميت، ومنهم من تنازل عن ذلك فأخبر أتباعه أنه جمع لهم هذا الذكر من آيات القرآن، وأحاديث الرسول وتأليفاته، وأنه مجرب وأن من فعله حصل له كذا وكذا من الخير‏.‏ فقد فعله فلان فحصل له كذا وكذا، وفعله فلان فحصل له كذا وكذا‏.‏‏.‏ وإليك أنماطًا من هذه الافتراءات والأكاذيب والخزعبلات لا يصدقها إلا من طمست بصائرهم‏:‏

الزعم بأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم أذكار الطريقة الشاذلية‏:‏

علم جميع المسلمين بالضرورة من دين الإسلام أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد علم الناس كيف يذكرون الله ويحمدونه ويمجدونه، وأن ذلك بوحي من الله له، ولكن الصوفية انفردوا عن جميع المسلمين فزعموا أن الرسول يأتيهم بعد موته ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتحاقه بالرفيق الأعلى ليعلمهم الطريقة الشاذلية‏!‏‏!‏ يقول صالح محمد الجعفري الذي كان إمامًا لمسجد الأزهر لمدة طويلة ‏(‏هذه الدعوى بالطبع هي الباب الذي يدخل منه هؤلاء على المسلمين بالخرافات والخزعبلات التي ينسبونها إلى الرسول، ويدعون بها الغيب فما دام أنه رزق عيونًا إلهية فلماذا لا يطلع على الغيب‏)‏، في كتابه الذي سماه ‏(‏مفاتيح كنوز السماوات والأرض المخزونة التي أعطاها ـ صلى الله عليه وسلم ـ لشيخ الطريقة الإدريسية المصونة‏!‏‏!‏‏)‏‏.‏

يقول‏:‏

‏"‏قال سيدي أحمد ـ رضي الله عنه ـ اجتمعت بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اجتماعًا صوريًا ومعه الخضر عليه السلام فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخضر أن يلقنني أذكار الطريقة الشاذلية فلقنني إياها بحضرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم للخضر عليه السلام‏:‏ يا خضر لقنه ما كان جامعًا لسائر الأذكار والصلوات والاستغفار وأفضل ثوابًا وأكثر عددًا فقال أي شيء هو يا رسول الله‏؟‏ فقال‏:‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله في كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله فقالها وقلتها بعدهما وكررها صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثًا‏.‏

ثم قال، قل‏:‏ اللهم إني أسألك بنور وجه الله العظيم إلى آخرة الصلاة العظيمية ثم قال له استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم غفار الذنوب ذو الجلال والإكرام إلى آخر الاستغفار الكبير فقلت بعدهما وقد كسبت أنوارًا وقوة محمدية ورزقت عيونًا إلهية ‏(‏توفي سنة 1979‏)‏ ‏!‏‏!‏‏.‏

ثم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ يا أحمد أعطيتك مفاتيح السماوات والأرض وهي الذكر المخصوص والصلاة العظيمة والاستغفار الكبير المرة الواحدة منها بقدر الدنيا والآخرة وما فيها أضعافًا مضاعفة‏"‏‏!‏‏!‏ واستطرد قائلًا‏:‏

قال سيدي أحمد ـ رضي الله عنه ـ وقدس سره‏:‏ ثم لقنها لي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غير وساطة فصرت ألقن المريدين كما لقنني به ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

ومرة قال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا إله إلا الله محمد رسول الله في كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله خزنتها لك يا أحمد ما سبقك بها أحد علّمها أصحابك يسبقون بها‏.‏ وكان ـ رضي الله عنه ـ يقول أملى علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأحزاب من لفظه حتى استشكل بعض أصحابه من العلماء مرة كلمة في الحزب الخامس فقال يا أخانا هكذا قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏"‏ ‏(‏مفتاح كنوز السماوات والأرض المخزونة ص8،9‏)‏ ا‏.‏هـ

فهذه الحكايات التي كان يرويها صالح الجعفري بالسند المتصل حسب زعمه إلى قائلة أحمد الإدريسي فيها من الدعاوي والضلالات شيء كثير جدًا‏.‏ من ذلك اجتماع لأحمد الإدريسي بالرسول والخضر ولسنا ندري ما علاقة الخضر بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليس هو من أتباع الرسول محمد ولا من هذه الأمة الإسلامية أصلًا، إنما الخضر صاحب موسى على شريعة غير شريعة موسى أيضًا، وقد مات كما مات الرسل والأنبياء ممن كانوا قبله وممن أتوا بعده، ولو كان حيًا في زمان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لاتبعه وحارب معه وشهد معه الجمع والجماعات وإلا كان مرتدًا كافرًا، بدليل قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏والله لو أن موسى حيًا لما وسعه إلا أن يتبعني‏)‏ وبدليل نزول عيسى في آخر الزمان وحكمه بشريعة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما علاقة الخضر أن يكون حاضرًا مع الرسول وأن يأمره الرسول أن يعلم الأذكار والأوراد‏!‏‏؟‏ ‏(‏اقرأ الفصل الخاص بالخضر في عقيدة المتصوفة‏)‏، ولماذا يلجأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحاشاه ـ أن يعلم شيئًا جديدًا بعد إتمام رسالته ولحوقه بربه‏.‏ ألا تكفي الأذكار والأوراد التي علمها في حياته‏؟‏ ألم يقل سبحانه وتعالى ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏3‏]‏‏.‏

فما الحاجة بعد إلى أذكار جديدة‏.‏‏.‏ وأليس لو كان للرسول هذا الاتصال ببعض الناس أن يكون ذلك لبيان كيف يخرج المسلمون مما يواجهونه من محن ومصائب، ألا يأتي مثلًا الرسول ليحل بعض المعضلات التي تجابه العالم الإسلامي ويحتار فيها العلماء ويختلفون‏.‏ ثم لننظر ما هي الأوراد والأدعية التي جاء الرسول في زعمهم ليعلمها لهؤلاء، إنها كلمات ركيكة التركيب العربي، فيها جهل عظيم بالله سبحانه وتعالى، وتقول عليه سبحانه وتعالى، وفيها اعتداء في الدعاء بكل معاني الاعتداء، وفيها من أسماء الشياطين ما فيها‏.‏ وإليكم نماذج من هذه الأدعية التي يزعم أصحابها أنهم اجتمعوا بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلمها لهم‏.‏ هذه هي الصلاة التي يسمونها ‏(‏الصلاة العظيمية‏)‏‏!‏‏!‏ هكذا ‏(‏والعظيمية‏!‏‏!‏‏)‏ وهي‏:‏

‏"‏اللهم إني أسألك بنور وجه الله العظيم، الذي ملأ أركان عرش الله العظيم، وقامت به عوالم الله العظيم، أن تصلي على مولانا محمد ذي القدر العظيم، وعلى آل نبي الله العظيم، بقدر عظمة ذات الله العظيم، في كل لمحة ونفس وعدد ما في علم الله العظيم، صلاة دائمة بدوام الله العظيم، تعظيمًا لحقك يا مولانا يا محمد يا ذا الحق العظيم، وسلم عليه وعلى آله مثل ذلك، واجمع بيني وبينه كما جمعت بين الروح والنفس ظاهرًا وباطنًا يقظة ومنامًا واجعله يا رب روحًا لذاتي من جميع الوجوه في الدنيا قبل الآخرة يا عظيم‏"‏‏.‏ ا‏.‏هـ‏.‏‏.‏

فانظر إلى ركاكة التعبير، وخطاب الله بالغيبة وهو سوء أدب مع الله فقوله اللهم إني أسألك وهذا خطاب‏.‏ ثم يقول ‏(‏بنور وجه الله العظيم‏)‏ وهذه غيبة كأن الله غير المخاطب، والصواب والبلاغة أن تقول ‏(‏بنور وجهك العظيم‏)‏ لأنك تخاطب الله‏.‏ ولكن الذين ألقوا هذه الأذكار المبتدعة لا يحسنون العربية والعجيب أن ينسبوها بعد ذلك إلى أفصح العرب لسانًا والذي آتاه الله جوامع الكلم‏.‏ وانظر بعد ذلك تكرار اسم العظيم في غير مناسبة، ثم وصف العرش أن له أركانًا ومن أين لهم ذلك‏؟‏ ولم يرد هذا في كتاب أو سنة وإنما جاء في الحديث أن للعرش ساقًا كما جاء في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏[‏فأجد موسى باطشًا بساق العرش‏]‏‏.‏

ثم ما معنى أن يدعو المسلم ربه ويسأله أن يجمع بينه وبين الرسول كما جمع بين الروح والنفس‏!‏‏!‏ وأن يكون هذا ظاهرًا وباطنًا، يقظة ومنامًا، وأن يكون الرسول روحًا لذات الداعي وهذا كله من أكبر العدوان في الدعاء، وهو فتح باب الإدعاء بعلم الغيب‏.‏ فما دام أن الرسول قد امتزجت روحه بالمدعو ظاهرًا وباطنًا، يقظة ومنامًا، فمعنى هذا أنه يتكلم بلسان الرسول ويعلم علم الرسول وهذا فتح لباب التقول على الله‏!‏‏!‏‏!‏ فهل هذا الدعاء الركيك السقيم معنى ومبنى يأتي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليعلمه للناس‏!‏‏!‏‏.‏‏.‏

هذا من أذكار هذه الطريقة الشاذلية وإليك نماذج أخرى من أدعيتها وأذكارها‏.‏‏.‏

‏"‏يا خالق السبع سماوات ومن الأرض مثلهن، يتنزل الأمر بينهن، أشهد أنك على كل شيء قدير، وأنك قد أحطت بكل شيء علمًا، أسألك بهذا الأمر الذي هو أصل الموجودات، وإليه المبدأ والمنتهى، وإليه غاية الغايات أن تسخر لنا هذا البحر، بحر الدنيا وما فيه، كما سخرت البحر لموسى، وسخرت النار لإبراهيم، وسخرت الجبال والحديد لداود، وسخرت الرياح والشياطين والجن لسليمان، وسخر لي كل بحر هو لك، وسخر لي كل جبل وسخر لي كل حديد، وسخر لي كل ريح، وسخر لي كل شيطان من الجن والإنس، وسخر لي نفسي، وسخر لي كل شيء، يا من بيده ملكوت كل شيء، وأيدني بالنصر المبين إنك على كل شيء قدير‏"‏ ا‏.‏هـ ‏(‏أبو الحسن الشاذلي لعبدالحليم محمود ص375‏)‏‏.‏

وعلى الرغم من أن الشيخ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر والإمام الأكبر كما يسمونه أورد هذا الدعاء وغيره في ترجمة الشاذلي مستحسنًا له، فإن في هذا الدعاء من التعدي شيئًا عظيمًا جدًا، فإنه لا يجوز لنا أن نسأل ما جعله الله لأنبيائه من هذه المعجزات فتسخير الجن والشياطين لسليمان كان شيئًا خاصًا بسليمان فقط، ولذلك روى البخاري بإسناده إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏[‏جاءني عدو الله إبليس بشهاب من نار ليضعه في وجهي ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح موثقًا بسارية المسجد يلعب به صبيان المدينة‏]‏‏.‏ وأما نار إبراهيم الذي يسأل الشاذلي ربه أن يسخرها له‏!‏‏!‏ فإن الله عز وجل جعلها بردًا وسلامًا على إبراهيم في مناسبة خاصة وذلك بعد أن تعرض لما تعرض له من البلاء، ولم يسأل إبراهيم ربه أصلًا بذلك، وكذلك إلانة الحديد لداود إنما كان لأنه يأكل من عمل يده فكافأه الله بأن ألان له الحديد وعلمه صنعة الدروع فكان هذا من الله فضلًا له للمناسبة التي فيه‏.‏‏.‏ أما أن يأتي رجل ليس بنبي فيسأل الله جميع معجزات الأنبياء فلا شك أن يكون قد تعدى في الدعاء وقد نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن التعدي في الدعاء والحق أننا إذا قارنا هذا التعدي الموجود في أدعية أخرى لهان الأمر فها هو الشاذلي نفسه يقول في دعائه أيضًا‏:‏

‏"‏اللهم هب لي من النور الذي رأى به رسولك ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما كان ويكون، ليكون العبد بوصف سيده لا بوصف نفسه‏.‏ غنيًا بك عن تجديدات النظر لشيء من المعلومات، ولا يلحقه عجز عما أراد من المقدورات، ومحيطًا بذات السر بجميع أنواع الذوات، ومرتبًا البدن مع النفس والقلب مع العقل، والروح مع السر والأمر مع البصيرة والعقل الأول الممد من الروح الأكبر المنفصل عن السر الأعلى‏"‏ ا‏.‏هـ ‏(‏أبو الحسن الشاذلي لعبدالحليم محمود ص168‏)‏‏.‏

فأي تعد أكبر من هذا أن يدعو إنسان ربه ليعطيه نورًا من النور الذي رأى به النبي ما كان يكون -وهذا كذب أيضًا لأن الرسول لم يكن يعلم من الغيب ما كان وما يكون وما لم يكن منه إلا ما أعلمه الله سبحانه وتعالى إياه، ولكن هؤلاء زعموا هذا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورتبوا على ذلك أن يجعلهم الله أيضًا كالنبي يعلمون الغيب، وقوله حتى يكون العبد بوصف مولاه- يعني أن يتصف بما اتصف به النبي ويكون الوصف راجعًا في النهاية للنبي لا يعفيه هذا أنه يطلب ما كان للنبي من منزلة وعلم، وصدق الله سبحانه حيث يقول في أمثالهم ‏{‏بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفًا منشرة‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏52‏]‏‏.‏

والحق أن الشاذلي في هذا الدعاء قد طلب ما لله من علم وليس ما للرسول فقط فمولاه هنا راجعة إلى الله سبحانه فكل من هؤلاء يريد أن يكون كالله سبحانه وتعالى في علمه وتصريفه وقدرته‏.‏ والحق أنه لا يتوقف التعدي في الدعاء عند الصوفية أن يطلبوا منازل الأنبياء وخصائصهم وعلومهم بل وصفات الله وخصوصياته، بل وتعدى ذلك أيضًا إلى أن يتطاولوا على الله فيعلموه كيف يصفح وكيف يرحم؛ انظر إلى هذا الدعاء للشاذلي أيضًا‏:‏

‏"‏ولقد شكا إليك يعقوب فخلصته من حزنه ورددت عليه ما ذهب من بصره وجمعت بينه وبين ولده، ولقد نادى نوح من قبل فنجيته من كربه، ولقد ناداك أيوب بعد فكشفت ما به من ضره، ولقد ناداك يونس فنجيته من غمه، ولقد ناداك زكريا فوهبت له ولدًا من صلبه بعد يأس أهله وكبر سنه، ولقد علمت ما نزل بإبراهيم فأنقذته من نار عدوه، وأنجيت لوطًا وأهله من العذاب النازل بقومه‏.‏ فها أنذا عبدك إن تعذبني بجميع ما علمت من عذابك فأنا حقيق به وإن ترحمن كما رحمتهم من عظيم إجرامي فأنت أولى بذلك وأحق من أكرم به فليس كرمك مخصوصًا بمن أطاعك وأقبل عليك بل هو مبذول بالسبق لمن شئت من خلقك وإن عصاك وأعرض عنك، وليس من الكرم أن لا تحسن إلا لمن أحسن إليك وأنت الرحيم العلي كيف وقد أمرتنا أن نحسن إلى من أساء إلينا فأنت أولى بذلك منا‏"‏ ‏(‏أبو الحسن الشاذلي لعبدالحليم محمود ص191‏)‏

فعلى الرغم من أنه دعا الله سبحانه أن ينجيه كما أنجى عباده الصالحين فإنه تطاول على الله في آخر الدعاء فراح يقول لله ‏(‏وليس من الكرم أن لا تحسن إلا لمن أحسن إليك‏)‏‏؟‏‏!‏ ‏(‏بل من الكرم أن تحسن إلى من أساء إليك‏)‏ وكأنه في هذا يعلم الله سبحانه كيف يتفضل وكيف يحسن وعلى هذا القول تكون عقوبة الله للمسيئين ليست جارية على سنة الله في كرمه وعفوه وصفحه وحلمه وهذا خطأ بالغ لأن الله سبحانه وتعالى لا يضع رحمته إلا فيمن يستحقها، ولا يعفو إلا عمن هو أهل للصفح والمغفرة‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏156‏]‏‏.‏

وهذا التعدي في الدعاء هو سمة المتصوفة بوجه عام كما مر بك في دعاء البسطامي ‏"‏ارفعني إلى أحديتك وأدخلني في صمديتك حتى أكون أنت أنا فإذا رآني عبادك عرفوك‏.‏‏.‏‏"‏ إلى آخر هذا الهذيان والكفر‏.‏‏.‏ والعجيب أن يأتي من يسطر مثل هذا الهراء وينشره على الناس داعيًا إياهم إلى هذا الطريق الصوفي طريق الظلمات‏.‏‏.‏

هذه هي نماذج من الأدعية والأذكار التي زعم صالح الجعفري أنها رويت بأنها بإسناده إلى شيخه أحمد بن إدريس أن رسول الله علمها إياه وأن أحد المريدين استشكل لفظة من الحزب الخامس فقال له يا أخانا هكذا قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏!‏‏!‏

 التلقي من القبور

وهذه قصة تبين طريقة أخرى لتلقي الأذكار، إنها مخاطبة الموتى والأخذ عنهم حتى لو كان الذكر كلامًا لا معنى له في أي لغة من اللغات المعروفة‏!‏‏!‏

ذكر أحمد بن المبارك السلجماسي المتوفي سنة 1155هـ قال‏:‏

‏"‏قص علينا بعض أصحابنا من أخيار أهل تلمسان، فأخبرني أنه سمع بعض من حج بيت الله الحرام يقول إنه زار قبر سيدي إبراهيم الدسوقي ‏(‏نفعنا الله به‏)‏‏!‏‏!‏ فوقف عليه الشيخ سيدي إبراهيم الدسوقي نفعنا الله به وعلمه دعاء وهذا هو‏:‏ بسم الله الخالق، يلجمه بلجام قدرته‏.‏ أحمى حميثًا أطمى طميثًا وكان الله قويًا عزيزًا‏.‏ حم عسق حمايتنا كهيعص كفايتنا، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏"‏ ‏(‏الإبريز‏)‏ ‏.‏

‏"‏فقال له سيدي إبراهيم‏:‏ ادع بهذا الدعاء ولا تخف من شيء فقال له صاحبنا التلمساني وهو الحاج الأبر التاجر الأطهر سيدي عبدالرحمن بن إبراهيم من أولاد إبراهيم القاطنين بتلمسان‏:‏ إن أخي الحاج محمد بن إبراهيم استشكل معنى هاتين الكلمتين وهما ‏(‏أحمى حميثًا وأطمى طميثًا‏)‏ امتنع من هذا الدعاء وقال‏:‏ لا أدري ما معناها ولعل أن يكون فيهما ما أكره، فسألني عن معنى الكلمتين‏.‏ فسألت شيخنا ـ رضي الله عنه ـ عن معناهما، فقال ـ رضي الله عنه ـ بديهة لا يتكلم أحد اليوم على وجه الأرض بهاتين الكلمتين فمن أين لك بهما‏؟‏‏!‏‏.‏‏.‏

فحكيت له الحكاية، فقال ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ نعم سيدي إبراهيم الدسوقي من أكابر الصالحين ومن أهل الفتح الكبير وهو وأمثاله الذين يتكلمون بهاتين الكلمتين‏.‏ ثم قال ـ رضي الله تعالى عنه ـ ‏:‏ هما كلمتان باللغة السريانية‏:‏ أما أحمى فمعناه يا مالك الأسرار يا مالك الأنوار يا مالك الليل والنهار يا مالك الحساب المدرار، يا مالك الشموس والأقمار، يا مالك العطا والنفع، يا مالك الخفض والرفع، يا مالك كل حي، يا مالك كل شيء، وفي هذا الاسم سر عجيب لا يطيق القلم ولا العبارة تبلغه أبدًا‏.‏‏.‏

وأما قوله ‏(‏أطمى‏)‏ فهو بمنزلة من يصفه تعالى بالعظمة والكبرياء والقهر والغلبة والعز والانفراد في ذلك كله وكأنه يقول‏:‏ يا عالم كل شيء يا قادرًا على كل شيء يا مكون كل شيء ويا مدبر كل شيء ويا قاهر كل شيء ويا من لا يتطرق إليه عجز ولا يتوهم في تصرفه نقص‏.‏‏.‏

‏(‏وطميثًا‏)‏ إشارة إلى الأشياء التي يتصرف فيها، وإلى الممكنات التي يفعل فيها ما يشاء ويحكم ما يريد سبحانه لا إله إلا هو‏.‏ وفي هذا الاسم سر عجيب لا يطيق القلم تبليغه أبدًا والله أعلم‏"‏ ‏(‏الإبريز‏)‏‏.‏

فانظر كيف أن إسناد هذه القصة مجهول عن مجهول عن ميت وكلمات الذكر لا معنى لها في أي لغة قديمة أو حديثة، وكلمة السريانية هي لا تعني اللغة السريانية البائدة المعروفة وإنما يفسرها الصوفية بأنها لغة الأرواح‏!‏‏!‏ ومع كل هذه الجهالة في الإسناد والحديث عن موتى يعلمون الناس الأذكار من قبورهم إلا أن كل ذلك طرق معتمدة عند الصوفية لتلقي العلم‏.‏‏.‏

ونقول ‏(‏العلم‏)‏ هنا تجوزًا والحق أنه تلقى هذه الضلالات من أفواه الشياطين الذين يخاطبونهم من هذه القبور ويلبسون عليهم دينهم ويصرفونهم عن الذكر الطيب الذي نطق به فم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبدلًا من أن يذكر المسلم الله قائلًا‏:‏ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وأمثال هذه الكلمات الطيبات النافعات يقول‏:‏ ‏(‏سقفاطيس، سقاطيم، آمون، فاق آدم حم، هأ آمين، كد كد، كردد، ده، بها بهيا بهيا، لمقفتجل يا أرض خُذيهم‏)‏‏!‏‏!‏

والعجيب بعد كل هذا أنهم إذا سئلوا من أين لكم بهذه الخزعبلات التي تسمونها أذكارًا يقولون كما قال أبو الحسن الشاذلي عن نفسه وقد سئل عن شيخه الذي أخذ عنه العلم فقال‏:‏ ‏"‏أما فيما مضى فكان سيدي عبدالسلام بن مشيش‏.‏ وأما الآن فأستقي من عشرة أبحر خمسة سماوية وخمسة أرضية، أما السماوية فجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والروح وأما الأرضية فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏"‏ ا‏.‏هـ ‏(‏أبو الحسن الشاذلي لعبدالحليم محمود ص210‏)‏‏.‏

وأما سيده عبدالسلام بن مشيش هذا فهو الذي يقول في صلاته المشهورة عن الرسول‏:‏ ‏"‏اللهم إنه سرك الجامع الدال عليك وحجابك الأعظم القائم لك بين يديك اللهم ألحقني بنسبه وحققني بحسبه وعرفني إياه معرفة أسلم بها من موارد الجهل وأكرع بها من موارد الفضل واحملني على سبيله إلى حضرتك حملًا محفوفًا بنصرتك واقذف بي على الباطل فأدمغه وزج في بحار الأحدية وانشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي وروحه سر حقيقتي وحقيقته جامع عوالمي بتحقيق الحق الأول يا أول يا آخر يا ظاهر، يا باطن اسمع ندائي بما سمعت به نداء عبدك زكريا وانصرني بك لك وأيدني بك لك واجمع بيني وبينك‏"‏ ‏(‏الحزب الكبير للدسوقي‏)‏‏.‏

وفي هذا الدعاء من الكفر والهذيان شيء عظيم لا يخفى على من عنده أي إلمام بشيء من علوم الدين قوله ‏(‏وزج بي في بحار الأحدية وانشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة‏)‏ تصريح واضح لعقيدة ابن مشيش ومن على شاكلته من أهل وحدة الوجود الذين يسمون عقيدة التوحيد أوحالًا‏!‏‏!‏وأما قوله ‏(‏واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي‏)‏ فيعني بالحجاب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي أن صورة الرسول صورة الله كما مضى بيان ذلك في كلام عبدالكريم الجيلي، والعجيب من قول الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر والإمام الأكبر ‏"‏كان ابن مشيش متمسكًا بالكتاب والسنة عاملًا بها ملتزمًا لهما‏"‏ ‏(‏أبو الحسن الشاذلي ص21‏)‏‏.‏

وقوله أيضًا عن ابن مشيش ‏"‏ولتأمل القارئ في مدى انغماس ‏(‏سيده‏)‏ سيدنا ابن مشيش في النور وما وصل إليه من الفضل الإلهي‏"‏‏.‏

بل إن الشيخ عبدالحليم محمود يدون في كتابه عن الشاذلي ما هو أدهى وأمر من ذلك وأضل فيقول‏:‏

‏"‏ولقد بهر ابن مشيش أبا الحسن الشاذلي، بهره بعلمه المشيد على الكتاب والسنة وبهره بولايته وكرامته، يقول أبو الحسن، كما يروي صاحب كتاب درة الأسرار‏:‏

ورأيت له خرق عادات كثيرة، فمنها أنني كنت يومًا جالسًا بين يديه، وفي حجره ابن له صغير يلاعبه، فخطر ببالي أن أسأله عن اسم الله الأعظم، قال فقام إلى الولد، ورمى بيده في طوقي وهزني وقال‏:‏

‏(‏يا أبا الحسن، أنت أردت أن تسأل الشيخ عن اسم الله الأعظم ليس الشأن أن تسأل عن اسم الله الأعظم، إنما الشأن أن تكون أنت هو اسم الله الأعظم‏)‏‏!‏‏!‏

يعني أن سر الله مودع في قلبك‏.‏

قال فتبسم الشيخ وقال لي‏:‏

جاوبك فلان عني‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏

ألا تعجب بعد ذلك من شيخ أكبر جامعة إسلامية معاصرة يروي هذه الترهات ويصدقها ويكتب كتابًا في سلسلة أعلام العرب تحت رقم 72 ليحدثنا أن من أعلام العرب من كان له ابن صغير يلعب في حجره وأن هذا الغلام الصغير علم الذي في نفس ابن مشيش قبل أن يسأل أباه، وأن هذا الطفل أعلم الشيخ أن اسم الله الأعظم هو ابن مشيش‏!‏‏!‏‏!‏ مثل هذا الكذب السمج يروي ويدون في كتب وينشر على الناس باسم الدين، وتوضع هذه النماذج الكاذبة المفتراة على الله ورسالاته لأن يكونوا هم أعلام العرب حتى تحذو الناشئة حذوهم وتسير على طريقهم‏؟‏‏!‏‏.‏‏.‏ اللهم رحمتك بنا ومغفرتك لنا‏.‏

والمهم أن نعود الآن فنذكر بما أوردناه في صدر هذا الباب وهو الزعم بأن أوراد الطريقة الشاذلية التي تلقاها ابن إدريس وأخذها عن شيخه قد تعلمها ابن إدريس هذا مشافهة من النبي حال اليقظة لا حال المنام‏.‏ وقد رأينا نماذج من هذه الأوراد ونماذج الرجال الذين يزعمون أن رسول الله تنزل عليهم، وحضر إليهم ليخصهم بهذه الكرامات وبهذه الأوراد والأذكار، وحرم من ذلك أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة وجاء بعد ستة قرون من الزمان ليعلم هؤلاء أن يقول أحدهم ‏"‏اللهم انشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في بحار الوحدة‏"‏‏.‏

ويقول أيضًا‏:‏

‏"‏بكهيعص كفيت بحمعسق حميت فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم اللهم أمنا من كل خوف وهم وغم وكرب كد كد كردد كرده ده ده ده ده الله رب العزة كتب اسمه على كل شيء أعزه خضع كل شيء لعظمة سلطانه اللهم أخضع لي جميع من يراني من الجن والإنس والطير والوحوش والهوام‏"‏‏!‏‏!‏

‏"‏طهور بدعق محببة صورة سقفاطيس سقاطيم آحون ق أدُّمَّ حم هأ يا هو يا غوثاه يا من ليس للراجي سواه بما في اللوح من اسم خفي وبالذكر الحكيم وما تلاه وبالقبر الشريف وزائريه وبالقدس العلي وما حواه تقبل ربنا منا دعانا‏"‏‏!‏‏!‏

{‏ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 29‏]‏‏.‏ ‏{‏ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويًا عزيزًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 25‏]‏‏.‏ بها بها بها بهيا بهيا بهيا بهيهات بهيهات بهيهات القديم الأزلي يخضع لي جميع من يراني لمقننجل يا أرض خذيهم قل كونوا حجارة أو حديدًا‏"‏‏!‏‏!‏

هذه نماذج من الأدعية التي يزعمون أنهم يتلقونها من الغيب وأن الرسول جاء ليعلمها لهم والحال أن جميعها من وضع الشياطين وتلبيس الأباليس ومن التمويه على العامة والسذج بأن هؤلاء المشايخ عندهم أسرار ويتكلمون بكلام من الغيب العجيب كل العجب أن يجعل أمثال هؤلاء الذين يصرفون الناس عن القرآن الحكيم والسنة النبوية المطهرة التي ظاهرها كباطنها أن يجعلوا أئمة للناس يقتدي بهم في هذا الدجل والشعوذة والكذب على الله ورسوله‏.‏

 فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

لو كان هؤلاء الصوفية عندما يؤلفون أذكارهم الركيكة التي شاهدنا نماذج منها آنفًا لا يتقولون بذلك على الله وعلى رسوله، ولا يزعمون أنهم كتبوها من الرسول حرفًا حرفًا وكلمة كلمة لهان الخطب وقلنا إن الأمر لا يتعدى البدعة فقد اخترعوا من عند أنفسهم أدعية وأذكارًا يتعبدون الله بها وتركوا ما هو أفضل من ذلك مما علمناه إياه رسول الله وثبت عنه بنقل الصحابة الصادقين والتابعين لهم بإحسان وما دونه أئمة الهدى من المسلمين في كتبهم كالبخاري ومسلم وأصحاب السنن والمسانيد‏.‏ ولكن هؤلاء المتصوفة المتقولين على الله لم ينسبوا هذه الأذكار والأدعية إلى أنفسهم وإنما نسبوها إلى الله وإلى الرسول وزعموا أنه جاء بها إليهم الوحي والإلهام أو أملاها الرسول عليهم حال يقظتهم لا حال نومهم‏.‏ وليتهم إذا فعلوا ذلك أيضًا جعلوا لأذكارهم هذه من الفضل ما كان يذكره الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياته للأذكار من الفضل فقالوا مثلًا من قال هذا الذكر كان كمن أعتق عشرة رقاب أو كان كمن أهدى بدنه أو لم يأت يوم القيامة رجل بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل مثله أو زاد، أو بنى الله له بيتًا في الجنة على نحو ما كان يتكلم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبينًا فضائل الأذكار التي يعلمها لأصحابه، ولكن هؤلاء جعلوا لأذكارهم المفتراة المكذوبة من الفضل والأجر شيئًا لا يبلغه الحد والوصف، وبالغ كل منهم في بيان فضل الذكر الذي يزعم أن رسول الله اختصه وجماعته به مبالغة عظيمة فهذا مثلًا أحمد التجاني رأس الطريقة التجانية يزعم أن ‏(‏ذكره‏)‏ الذي يسميه صلاة الفاتح‏:‏ القراءة الواحدة له تعدل قراءة القرآن ستة آلاف مرة‏!‏‏!‏

قال مؤلف جواهر المعاني على حرازم في الجزء الأول صفحة ‏(‏94‏)‏ ‏"‏وأما فضل صلاة الفاتح لما أغلق الخ، فقد سمعت شيخنا يقول‏:‏ كنت مشتغلًا بذكر صلاة الفاتح لما أغلق حين رجعت من الحج إلى تلمسان لما رأيت من فضلها وهو أن المرة الواحدة بستمائة ألف صلاة كما هو في وردة الجيوب وقد ذكر صاحب الوردة أن صاحبها سيدي محمد البكري الصديقي نزيل مصر وكان قطبًا، قال إن من ذكرها ولم يدخل الجنة فليقبض صاحبها عند الله، وبقيت أذكرها إلى أن رحلت من تلمسان إلى أبي سمعون فلما رأيت الصلاة التي فيها المرة بسبعين ألف ختمة من دلائل الخيرات تركت الفاتح لما أغلق واشتغلت بها وهي ‏(‏اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله صلاة تعدل جميع صلوات أهل محبتك وسلم على سيدنا محمد وعلى آله سلامًا يعدل سلامهم‏)‏ لما رأيت فيها من كثر الفضل ثم أمرني بالرجوع ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى صلاة الفاتح لما أغلق فلما أمرني بالرجوع إليها سألته ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن فضلها فأخبرني أولًا بأن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات، ثم أخبرني ثانيًا أن المرة الواحدة منها تعدل من كل تسبيحة وقع في الكون ومن كل ذكر ومن كل دعاء كبير أو صغير ومن القرآن ستة آلاف مرة لأنه من الأذكار‏"‏ انتهى بلفظه ‏(‏جواهر المعاني ص94‏)‏‏.‏‏.‏

فانظر إلى هؤلاء الكاذبين كيف يدعي أحدهم أن كلامًا ركيكًا كصلاة الفاتح التي هي مجرد سطر ونصف سطر أو نحو خمس عشرة كلمة فقط يعدل أجر قراءتها أجر قراءة القرآن ستة آلاف مرة‏!‏‏!‏ وهذا كذب سخيف لا يحتاج إلى تعليق وبيان وهذه الصلاة ذات الفضل المزعوم هي‏:‏ ‏"‏اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لم سبق ناصر الحق بالحق والداعي إلى صراطك المستقيم‏"‏‏!‏‏!‏

والعجيب أن هذا الكلام الركيك كله جهالة، فما هو الذي أغلق وفتحه الرسول شيء غير مذكور في هذا الذكر، وما الحق الذي نصره الرسول وبأي حق نصره أيضًا مجهول وما هو الذي سبق وختمه النبي‏.‏‏.‏ فهو كلام ليس فيه لذاته معنى مفيد، وإنما قد يفسر بنحو صحيح بكلام آخر، وقد يفسر أيضًا على نحو فاسد كما يفسره التجانيون أنفسهم بمعان فاسدة فمثلًا قد يقول قائل إن معنى قولهم ‏(‏الخاتم لما سبق‏)‏ أي خاتم النبوة وهذا معنى صحيح وهو غير موجود في هذه الصلاة التي يسمونها صلاة الفاتح‏.‏ لكن التجانيين أنفسهم يخالفون ذلك ويرون أن النبوة لم تنته بدليل قولهم إن صلاة الفاتح هذه نزلت عليهم من السماء في ورقة مكتوبة بقلم القدرة‏!‏‏!‏ ولذلك قالوا هي من كلام الله تعالى وليست من تأليف مخلوق ‏(‏انظر الهدية العادية إلى الطريقة التجانية ص105‏)‏‏!‏‏!‏

فمعنى هذا أن قولهم ‏(‏والخاتم لما سبق‏)‏ ليس مقصودًا به النبوة والوحي لأن صلاة الفاتح المزعومة نفسها وحي أكمل القرآن بل على قولهم هذا أكمل نزولًا من القرآن لأنها نزلت مكتوبة من السماء والقرآن نزل مشافهة وسماعًا، ومعلوم أن المكتوب أعظم من المسموع في الإثبات بدليل امتنان الله على موسى بإنزال التوراة مكتوبة كما قال تعالى ‏{‏وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة‏.‏‏.‏‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 145‏]‏‏.‏ الآية‏.‏

وهم يزعمون هنا أن صلاة الفاتح نزلت من السماء مكتوبة ولذا جاز عندهم تفضيل قراءتها على القرآن وإن أجر قراءة القرآن كله ستة آلاف مرة فأي كذب على الله أكبر من هذا‏.‏ ونحن نقول لهؤلاء الكاذبين أكان يجوز لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي يزعمون أنه هو الذي خص أحمد التجاني وجماعته بهذه الفضيلة وقال له ‏(‏خبأتها لك يا أحمد‏)‏‏!‏‏!‏ أكان يجوز له أن يخفي شيئًا مثل هذا عن الصحابة رضوان الله عليهم وهم أصحابه القائمون بأمره الحارسون لدينه الباذلون أنفسهم وأموالهم في سبيل نصرته‏.‏‏.‏ ليعطي مثل هذه الفضيلة إلى أحمد التجاني وأعوانه الذين كانوا وما زالوا أعظم أعوان الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا بل في كل القارة الأفريقية وهم الذين مهدوا السبيل أمام الجيوش الفرنسية في معظم أنحاء القارة‏.‏ أكان يجوز للرسول إخفاء صلاة الفاتح التي يزعمون أنها أعظم من القرآن بستة آلاف مرة لإعطائها مجموعة من خدم الاستعمار والكفار‏!‏‏!‏ والحال أن الله قد قال لرسوله ‏{‏يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏67‏]‏‏.‏

أم أنكم كذبتم على الله ورسوله وجاريتم في كذبكم هذا من قال إن قراءة دلائل الخيرات أفضل من قراءة القرآن سبعة آلاف مرة‏!‏‏!‏ فانظر المجاراة والتنافس في الكذب على الله ورسوله‏.‏

ولم يكتف صاحب الفاتح بذكر ما ذكره من الفضل لصلاته المزعومة بل انظروا ما يقوله أيضًا في فضله‏:‏

قال صاحب الجواهر في صفحة 96 من الجزء الأول في سياق فضل صلاة الفاتح ‏"‏إنها لم تكن من تأليف البكري ولكنه توجه إلى الله مدة طويلة أن يمنحه صلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها ثواب جميع الصلوات وسر جميع الصلوات وطال طلبه مدة ثم أجاب الله دعوته فأتاه الملك بهذه الصلاة مكتوبة في صحيفة من النور ثم قال الشيخ‏:‏ فلما تأملت هذه الصلاة وجدتها لا تزنها عبادة جميع الجن والإنس والملائكة‏.‏ قال الشيخ وقد أخبرني ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ثواب الاسم الأعظم فقلت‏:‏ إنها أكثر منه فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل هو أعظم منها ولا تقوم له عبادة‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏

فانظر كيف جعل هذه الصلاة المزعومة أفضل من عبادة جميع الإنس والجن والملائكة‏!‏‏!‏

وليست هذه الفرية هي وحدها ما عند أصحاب الطريقة التجانية بل عندهم من الدواهي والأكاذيب ما يندى له الجبين فعندهم صلاة أخرى يسمونها جوهرة الكمال ونصها‏:‏

‏"‏اللهم صل وسلم على عين الرحمة الرانية والياقوتية المتحققة الحائطة بمركز الفهوم والمعاني ونور الأكوان المتكونة الآدمي صاحب الحق الرباني البرق الأسطع بمزون الأرياح المالئة لكل متعرض من البحور والأواني ونورك اللامع الذي ملأت به كونك الحائط بأمكنة المكاني اللهم صل وسلم على عين الحق التي تتجلى منها عروش الحقائق عين المعارف الأقوم صراطك التام الأسقم اللهم صل وسلم على طلعة الحق بالحق الكنز الأعظم إفاضتك منه إليك إحاطة النور المطلسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى آله صلاة تعرفنا بها إياه‏"‏ ‏(‏الرماح ص224 ج1‏)‏‏.‏

وقد قال الدكتور الشيخ تقي الدين الهلال حفظه الله تعقيبًا على هذه الصلاة‏:‏

‏"‏إن هذه الصلاة التي زعم التجانيون أن شيخهم أخذها عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذكروا لها ما تقدم من الفضل يستحيل أن تكون من كلام العرب الفصحاء وهي بعيدة منه بعد السماء من الأرض، وكل من يعرف لسان العرب معرفة حقيقية لا يكاد يصدق أن ذلك الكلام الركيك يقوله أحد من العرب وفيهما كلمتان إحداهما سب لا يجوز أن يطلق على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يتناسب مع ما قبله وهي كلمة ‏(‏الأسقم‏)‏ فإن الصراط لا يوصف بالسقم إذ لا يقال صراط مريض وهذا الصراط أمرض من ذلك وإنما يقال صراطك المستقيم أو قويم وهذا الصراط أقوم من ذلك‏"‏‏.‏

وقد رد العلماء على التجانيين وعابوا عليهم هذه الكلمة القبيحة فقال الشيخ الكميل الشنقيطي في أرجوزته التي انتقد بها الطريقة التجانية‏:‏

ولم يجز إطلاق لفظ موهم ** نقصًا على النبي مثل الأسقـم

كذا مطلسم وما يدريكــا ** لعله كفر عني الشريكــــا

ولم يتفطن أولئك العلماء إلى سبب هذا الخطأ ولو تفطنوا له لانحل الإشكال كله فسببه أن مؤلف هذه الصلاة مغربي وأهل المغرب في لغتهم العامية يقولون ‏(‏سر مسقم‏)‏ يريدون امش مستقيمًا ويقولون كذلك ‏(‏سر اسقم‏)‏ بعضه ينطق به قافا وبعضهم ينطق به كافا، ولما كان منشئ هذه الصلاة غير عالم بالعربية وقد ذكر الأقوم من قبله في قوله عين المعارف الأقوم وقال بعدها صراط التام، أراد أن يصف الصراط بالاستقامة مع المحافظة على السجع لمقابلة الأقوم واستثقل أن يكرر الأقوم عبر بالأسقم ظنًا منه أنهما في المعنى سواء كما يفهمه عامة المغاربة، وقد علمت من مصاحبتي للشيخ أحمد سكيرج وهو من كبار المقدمين في الطريقة التجانية وكنت في ذلك الوقت تجانيًا لا يخفى عني سرًا، أن هذه الصلاة وجدت في أول أمرها عند شخص يسمى محمد بن العربي النازي ويسميه التجانيون الواسطة المعظم لأنه بزعمهم وساطة بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبين الشيخ أحمد التجاني يحمل الرسائل من الشيخ إلى النبي ومن النبي إلى الشيخ وفي ذلك الوقت أي في وقت الوساطة لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يظهر للشيخ التجاني وإنما كان يظهر لمحمد بن العربي وزعموا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال للواسطة محمد بن العربي لولا محبتك لحبيبي التجاني ما رأيتني وكان الواسطة يخبر الشيخ التجاني بأنه إذا جاء الوقت الموعود يظهر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ له بلا واسطة يحدثه ويكلمه وسنذكر شيئًا من الرسائل التي أملاها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على محمد بن العربي وأمره بكتابتها ليحملها إلى الشيخ التجاني يقرأها عليه وحينئذ لا يبقى عندك شك في جهل هذا الرجل بالعربية وأنه سبب ركاكة هذه الصلاة التي هي من إنشائه‏"‏ ا‏.‏هـ ‏(‏الهدية الهادية إلى الطريقة التجانية ص110،111‏)‏‏.‏

والعجيب أنه من ركاكة هذا الدعاء وهذه الصلاة المزعومة ونسبتها إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنهم زعموا لها أيضًا من الفضل ما فاق الكذب إلى الوقاحة فقد زعموا كما جاء في كتاب الرماح ص89 أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر لأحمد التجاني أن قراءة المرة الواحدة من ‏(‏جوهرة الكمال‏)‏ تعدل تسبيح العالم ثلاث مرات ومن قرأها سبع مرات فأكثر بحضرة رسول الله والخلفاء الأربعة ما دام يذكرها، ومن لازمها أكثر من سبع مرات كل يوم أحبه النبي محبة خاصة ولا يموت حتى يكون وليًا‏!‏‏!‏

فانظر أي تقول على الله هذا‏.‏ بل قال التجاني أيضًا‏:‏ ‏"‏أعطاني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلاة تسمى جوهرة الكمال كل من ذكرها اثنتي عشرة مرة فكأنما زاره في قبره يعني في روضته الشريفة‏!‏‏!‏ وكأنما زار أولياء الله الصالحين من أول الوجود إلى وقته ذلك‏.‏ وقال لي رسول الله هذه هدية مني إليك‏"‏‏!‏‏!‏‏!‏ ا‏.‏هـ ‏(‏الهدية الهادية إلى الطريقة التجانية ص110‏)‏‏.‏